السينما الجزائرية- بين تحديات التأسيس وطموحات الانتشار

في احتفال مهيب، يتقدم الروائي الفرنسي ذو الجذور الجزائرية، سمير أمين، بخطى واثقة نحو منصة التتويج في الأكاديمية السويدية بستوكهولم، لاستلام جائزة نوبل المرموقة في الآداب. وأمام جمع غفير من الأدباء والمثقفين، يعترف بلسان فصيح بفضل اللغة الفرنسية التي أسهمت في وصوله إلى هذا المقام الرفيع، لكنه في الوقت نفسه، يعرب عن اعتقاده بوجود قامات أدبية أخرى تستحق الجائزة بجدارة أكبر.
في أعقاب هذا التتويج الباهر، تنهال على سمير أمين سيول من الدعوات والطلبات للقاءات والمؤتمرات، بعد أن ذاع صيت فوزه بالجائزة المرموقة في الأوساط الأدبية والثقافية. إلا أنه يرفضها جميعًا بأدب جم، باستثناء دعوة واحدة لامست شغاف قلبه وأشعلت جذوة الحنين إلى الوطن في أعماقه؛ إنها دعوة من بلدية سيدي ميمون الجزائرية، مسقط رأسه ومهد صباه، والتي دعته لمنحه صفة "مواطن شرف" تقديرًا لإنجازاته. وبدون أدنى تردد، يقرر الأديب الشهير تلبية الدعوة والسفر إلى بلدته، حيث تتزاحم المشاعر المتضاربة في صدره، وهو يحاول التفاعل مع واقع بلدته الجديد الذي تركه وهاجر منه منذ سنوات طوال، وذلك في فيلم "مواطن شرف" للمخرج الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، محمد حميدي، الذي تم إنتاجه في عام 2022.
ويعتبر هذا الفيلم نموذجًا بارزًا للسينما الجزائرية المعاصرة، فهو ينتمي إلى الجزائر قلبًا وقالبًا، من حيث الموضوع والقضية التي يعالجها، ومواقع التصوير الخلابة، وأصول المخرج والممثل الرئيسي "كاد مراد". ومع ذلك، يُصنف الفيلم على أنه فرنسي، شأنه في ذلك شأن العديد من الأفلام الأخرى التي يخرجها مخرجون جزائريون، مستفيدين من الإمكانيات الفرنسية الهائلة في هذا المجال. ومن حيث النوع، فهو فيلم كوميدي مبهج ومثير للضحك، ولكنه يحمل أيضًا مسحات تراجيدية مؤثرة، مما يجعله مزيجًا فريدًا يستهوي المشاهد العربي بشدة. إلا أن حاجز الترجمة والتوزيع يقف حائلاً دون أن يتمكن المشاهد العربي من الاستمتاع بهذا الإبداع الفني الرائع للمبدعين الجزائريين.
لقد أثارت هذه الحقائق المؤلمة حول وضعية الأفلام الجزائرية نقاشًا مستفيضًا منذ زمن طويل حول أحوال السينما في الجزائر، والتوق الشديد إلى إنشاء صناعة سينمائية وطنية في البلاد. وقد بدأ هذا النقاش في البداية على نطاق ضيق بين النخب المثقفة، ولكنه سرعان ما تحول إلى نقاش سياسي واقتصادي واسع النطاق، خاصة بعد مجيء الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، والحراك السياسي الذي شهدته البلاد في السنوات الأربع الماضية. وأخيرًا، صدر قرار تاريخي بتأسيس أول مدينة سينمائية متكاملة في منطقة تينركوك بولاية تيميمون في أقصى جنوب البلاد.
ويبدو هذا الاهتمام المتزايد وهذه الخطوة الجريئة مشجعين للغاية، خاصة وأنهما ينسجمان مع تجارب عربية ناجحة، وخاصة من دول المغرب العربي مثل تونس والمغرب، اللتين استثمرتا بكثافة في القطاع السينمائي وحققتا نجاحًا باهرًا على الصعيد الاقتصادي، وإن كان الصعيد الفني لا يزال ينقصه الكثير من التطوير والتحسين. ولهذا، من الضروري أن تستفيد التجربة الجزائرية الوليدة من مزايا وعيوب هذه التجارب العربية الرائدة، وذلك لأن النقاش الداخلي في الجزائر، الذي استمر على مدار أشهر طويلة حتى الآن، يبدو أنه يحمل الأمر أكثر مما يحتمل، ولا نتمنى أن يفضي إلى تجميد هذا المشروع الطموح، كما حدث مع العديد من المشاريع الأخرى التي تاهت في دهاليز البيروقراطيات الحكومية المعقدة.
قانون الصناعة السينماتوغرافية
وكأي سلطة تسعى إلى تنظيم الأمور، بدأت الحكومة الجزائرية التفكير في هذا المشروع الحيوي عن طريق سن قانون جديد للصناعة السينماتوغرافية. وقد حظي هذا القانون بنصيبه الوافر من النقاشات والمداولات، وعند عرضه على مجلس الوزراء، تم رفضه أو بالأحرى تأجيله لإجراء المزيد من النقاش المجتمعي والاستماع إلى المزيد من المقترحات والاقتراحات البناءة. والفكرة تبدو جيدة في ظاهرها، ولكنها تشير بوضوح إلى أولى العقبات التي تعترض طريق المضي قدمًا في مثل هذه المشاريع الضخمة، وهي المعوقات الإدارية والروتينية المعقدة، خاصة فيما يتعلق بالموارد المالية اللازم توفيرها من قبل وزارة المالية، وتخصيص الأراضي المناسبة من قبل وزارة التعمير.
وعادة ما تتضارب صلاحيات الوزارات والهيئات المختلفة في مثل هذه المشروعات الكبرى، وذلك لأن القوانين المؤسسة لها منذ البداية لم تأخذ مثل هذه المشروعات الطموحة بعين الاعتبار. وقد أثار هذا الأمر أيضًا شجون ومطالب العاملين في القطاع السينمائي الجزائري، وطرح السؤال المشروع عن مدى نجاعة مشروع ينهض بالسينما الجزائرية من دون النهوض بحقوق العاملين في هذا القطاع وحفظها.
هذه ليست سوى بعض النماذج القليلة للمعوقات والتحديات التي قد توقف المشروع برمته، أو في أحسن السيناريوهات تبطئ من وتيرة إنجازه بشكل ملحوظ. ولهذا، من الأهمية بمكان الاستفادة من خبرات دول الجوار في التغلب على هذه العقبات والصعاب. فليس سرًا أن الهيئتين المخولتين بتنشيط القطاع السينمائي في كل من الأردن والمغرب، على سبيل المثال، تحظيان برعاية ودعم ملكي كبيرين.
وهذا ليس من قبيل المصادفة، بل هو أمر خوّل الهيئة الملكية للأفلام في الأردن وأستوديوهات "ورزازات" في المغرب أن تتجاوزان الكثير من البيروقراطية الحكومية المعرقلة. وهذا هو الفخ الذي سقطت فيه أستديوهات تونس، على سبيل المثال، وأخر التجربة التونسية في الاستثمار في القطاع السينمائي عن نظيريه في الأردن والمغرب. وللإنصاف، لم يكن هذا هو العامل الوحيد، إذ مثّل الجزء الأمني تحديًا مهمًا لهذه الصناعة في تونس، الأمر الذي أحجمت بسببه العديد من شركات الإنتاج العالمية عن التصوير في البلاد.
الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية في الجزائر هو حسم مسألة العلاقة مع فرنسا في تنشيط هذا القطاع الحيوي، لأن هناك ثروة بشرية هائلة من الجزائريين في فرنسا يعملون في القطاع السينمائي، وهم متأثرون بالمدرسة الفرنسية في السينما. وفرنسا بالطبع لن تترك القطاع الجزائري من دون محاولة الاستثمار فيه والتأثير فيه بكل الطرق الممكنة، كجزء من تعزيز الفرنكفونية في البلاد.
لهذا، ينبغي عدم إغفال هذا العامل والتعامل معه بواقعية وبحسم في آن معا، للاستفادة من الخبرات البشرية الجزائرية في فرنسا من دون استنساخ نسخة كربونية من السينما الفرنسية تمحو الهوية الجزائرية العربية الأصيلة.
لقد خاضت الجزائر معركة التحرير بعد مخاض عسير وطويل، وخاضت بعدها معركة التعريب بعد مخاض مماثل، ولم تستفق من آثارها المدمرة، إلى أن دخلت إلى العشرية الحمراء وتوابعها السياسية الوخيمة، وهي لا تزال تعاني من آثارها المدمرة. ولن تتمكن من اجتياز العقبات الإدارية والفنية المتعلقة بتعزيز قطاع الفنون والسينما في القلب منه، سوى بأن تخطو الخطى ذاتها التي خاضتها سابقًا؛ وذلك بأن يندرج الموضوع برمته في إطار وطني عام شامل، بغية توطين السينما الجزائرية كمشروع ثقافي محلي الصنع قابل للتصدير، ويأخذ في الاعتبار الجمهور العربي والأفريقي قبل مغازلة الجمهور الأوروبي. فالسينما الجزائرية ليست أقل شأنًا من السينما النيجرية التي استطاعت، رغم الصعوبات والتحديات الجمة، أن تحقق قفزات هائلة على الصعيدين الوطني والأفريقي.